Admin Admin
Messages : 186 Date d'inscription : 02/02/2010
| Sujet: أوليات الداعية إلى الله Lun 8 Fév - 13:39 | |
| الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فلقد رَاجَ -في الآونة الأخيرة- على ألسنةِ مَنْ وَصَفهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ﺑ: «سُفهاءُ الأَحْلاَمِ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ» ( ١ - أخرجه البخاري في «المناقب»، باب علامات النبوة في الإسلام: (3415)، ومسلم في «الزكاة»، باب التحريض على قتل الخوارج: (2462)، وأبو داود في «السنة»، باب في قتال الخوارج: (4767)، والنسائي في «تحريم الدم»، باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس: (4102)، وأحمد في «مسنده»: (914)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في «الفتن»، باب في صفة المارقة: (2188)، وابن ماجه في «سننه»، باب ذكر الخوارج: (168)، وأحمد في «مسنده»: (3821)، وأبو يعلى في «مسنده»: (5402)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ) نفيُ التفريقِ بين الجزائر وسائر بلدان الكفر، حتى إذا سُئِلَ أحدُهم عن السفر إلى بلاد الكفر فيجيب -من غير تُؤَدة ولا تَرَوٍّ-: «أين أنت الآن؟» أو «بصَّرك اللهُ، وهل يوجد فَرْقٌ بين بلدان الكفر؟ الكفر مِلَّةٌ واحدةٌ»، ونحو ذلك من عبارات الأجوبة التي تتصدَّع لها القلوبُ المؤمنة، وتفزع منها النفوس المطمئنَّة، وهكذا -على حين غفلةٍ من أهلها- تتسرَّب بضائعُ الشُّبُهات والأفكار من الأغمار، ويُنَفِّقون سلعتهم ولو بالحلف الكاذب، والله المستعان.
إنّ أَوَّلَ اهتمامات الداعية إلى الله تعالى وأعظمَها حملُ الناس على إفراد الله تعالى بالعبادة، وتركِ الشرك، وإقامةِ السُّنَّة، ونَبْذِ البدعة، وهو المنهج الشرعيُّ في جميع رسالات المرسلين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، فهذا السبيلُ الحقُّ الذي ينبغي أن يَبذُل فيه الداعيةُ جُهْدَهُ، ويَستفرِغَ طَاقَتَهُ ووقته لهداية الناس إلى الصراطٍ المستقيمٍ، على منهجِ أهل السُّنَّة الذين يَعرفون الحقَّ ويرحمون الخلقَ، لا سبيلَ التشويش بالشُّبُهات والتضليل، وحملِ الناس على التكفير ثمَّ التفجير والتدمير.
إنَّ التسويةَ بين الجزائر وبين غيرها من بلدان الكفر، كإنجلترا وفرنسا وألمانيا هي تسويةٌ مع ظهور فارقٍ شاسعٍ بين بلادٍ تَدِينُ بالإسلام، وأخرى لا تدين إلاًَّ بالشرك، وقراءةُ مضامين هذه العبارات تشدُّ بالَ العاقلِ، وتَصْرِفُ نظرَه إلى أهل «التكفير بالعموم» أو «التكفير الجماعي»، الذين يجانبون في معتقدهم أصولَ أهل السُّنَّة والجماعةِ، فيكفِّرون أهلَ القِبلة بمطلق المعاصي والكبائر، ويرون أنَّ الأعمالَ داخلةٌ في مُسمَّى الإيمان، وأَنَّها شرطٌ في بقائه، فمَنْ فعلَ معصيةً من الكبائر خرج عن الإيمان؛ ذلك لأنَّ الإيمانَ عندهم كالجُملة الواحدة لا يتبعَّضُ فإِنْ ذهب بعضُه ذهب كُلُّه، فيزول بالتالي الإيمانُ جملة عن العاصي، فيخرج عن دائرته إلى الكفر، فهذا هو أصلُ مُعتقد الخوارج.
أمَّا أهلُ السُّنَّة والجماعة فلا يُكفِّرون بمطلق المعاصي ، ويُسمُّون أهلَ القِبلة مسلمين مؤمنين، وإن كانوا عُصاةً، ما داموا بما جاء به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مُعترفين، وله بكلِّ ما قال وأخبر مُصدِّقين؛ ذلك لأنَّ الإيمانَ عند أهل السُّنَّة يتبعَّضُ، فإذا ذهب بعضُهُ لم يذهب كُلُّه، فيبقى مع العاصي مُطْلَقُ الإيمانِ لا الإيمانُ المطلَقُ، ويشهد لذلك قولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، واستَقْبَلَ قِبلَتَنا، وصَلَّى صَلاتَنا، وَأَكلَ ذَبِيحتَنَا، فهوَ المُسلمُ: له ما للمُسلمِ، وعليهِ ما على المُسلِم» ( ٢ - أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (393)، من حديث أنس رضي الله عنه ) ، وفي روايةٍ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسِولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ» ( ٣ - أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (391)، والبيهقي «السنن الكبرى»: (2239)، من حديث أنس رضي الله عنه، وقد رواه بمعناه النسائي في «الإيمان وشرائعه»، باب صفة المسلم: (5012) ) ، أي: لا تغدروا الله في ذِمَّته، ولا تخونوه في عهده، ولا تتعرَّضوا في حَقِّه من ماله ودمه وعرضه ( ٤ - انظر «فتح الباري» لابن حجر: (1/496). «مرقاة المفاتيح» للقاري: (1/159) ) .
وفي الحديث دليل على تحريم «التكفير الجماعي» أو «بالعموم»، وإنَّما أمور الناس محمولةٌ على الظاهر، فمَنْ أظهر شِعار الإسلامِ أُجْرِيَتْ عليه أحكامُ أهله، ما لم يظهر منه خلافُ ذلك، كأن يُكذِّب بشيء جاء به رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم صحيحًا ثابتًا، أو يستحلُّ ما حَرَّمَهُ اللهُ تعالى، ونحو ذلك، إذ أنَّ «مَنْ ثَبَتَ إِسْلاَمُهُ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ، بَلْ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ» ( ٥ - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (12/501) ) ، لذلك كان من أصول أهلِ السُّنَّةِ: عدمُ جواز الشهادة بالكفر والنِّفاق على أحدٍ من أهل القِبلة ما لم يظهر منه ذلك، وردُّ سرائرِهِم إلى الله تعالى، ذلك لأنَّا أُمرنا بالحكم بالظاهر، ونُهينَا عن الظنِّ واتِّباع ما ليس لنا به علم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: 12]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36].
فمن عيوب أهلِ البدع تكفير بعضهم بعضًا، ومن مَمادح أهل السُّنَّة أنَّهم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون أحدًا من أهل القِبلة بكلّ ذنب، بل الأُخوَّة الإيمانيةُ ثابتةٌ مع المعاصي.
وإذا أظهر البلد شعارَ الدِّين، مِنَ النًُّطْقِ بالشهادتين، ورفعِ الأذان فيه، وإقامةِ الصلاة، واستقبالِ القِبلة، ومَكَّن أهلَهُ من أدائها أصالةً وبأمانٍ، لا معاهدةً أو اتِّفاقًا وتبعًا، فإنَّ ذلك البلد معدودٌ من ديار الإسلام عند أهل السُّنَّةِ، لا دارَ كُفْرٍ، كما رأته المعتزلةُ، ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا؛ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» ( ٦ - أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه: (392)، وأبو داود في «الجهاد»، باب على ما يقاتَل المشركون: (2641)، والترمذي في «الإيمان»، باب ما جاء في قول النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أُمِرْتُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ»: (2608)، والنسائي: في «تحريم الدم»، (3966)، وأحمد في «مسنده»: (12643)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ) .
ومنه يظهر عوارُ من لم يُفرِّقْ بين البَلَدَيْنِ، وينهدم بنيانُ من أجاز الهِجرة إلى بلدان الكفر والضلال بدعوى عدم وجود دار إسلام، وإرادة التماس من الهجرة الأولى إلى الحبشة دليلاً شرعيًّا لهم يوافق هواهم استنادًا إلى خلوِّ المرحلة المكِّية من دار الإسلام.
وعجبي لا ينقطع في الذين أرادوا حصر تطبيق المرحلة المكِّية التي كان فيها المسلمون مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مستضعفين في أوَّل الإسلام على الهجرة إلى الحبشة تمسُّكًا بخلوِّ دار الإسلام ذلك الوقت، تركوا العمل بحكم المرحلة المكِّية في عصمة دم الكافر العصمة الأصلية ، إذ دم الآدمي معصومٌ لا يقتل إلاَّ بحقٍّ، وقد كان المسلمون ممنوعين قبل الهجرة من ابتداء القتال، وكان ابتداءُ قتل الكفَّار المتفق على تكفيرهم مُحرَّمًا، وهو مِن قَتْلِ النفس بغير حقٍّ، فمن بابٍ أَوْلَى كان العمل بهذه المرحلة في حقِّ المؤمن العاصي أو المشتبه فيه غير المُتَّفَقِ على كفره! فَلِمَ تركوا العمل بآيات الصبر والصفح عمَّن يُؤذي اللهَ ورسولَه في حالة الضَّعف، وبآيات القتال في حالة القُوَّة جمعًا بين الأدلَّة، وهو أَوْلَى من النَّسخ المحتمل والترجيح، لانتفاء التعارض بين أحكام المرحلتين؟!
وأصلُ هذا الكلام نابع من اعتقاد الخوارج، الذين جعلوا «الحاكمية» شرطًا في الإيمان، ومعنىً للتوحيد، أي أنَّ معنى: «لا إله إلاَّ الله» -في زعمهم-: «لا حاكمية إلاَّ لله»، وقد انتشرت هذه الدعوة التي ابتدعَ مفهومَها ومُسمَّاها المفكرُ الحركيُّ: سيّد قطب، وهي مؤلّفة بين عقيدة الإمامية والبهنسية. وتفسيرُ «لا إله إلاَّ الله» ﺑ «الحاكمية لله» مخالفٌ لتفسير السلف لها -بلا ريبٍ- ومعناها عند السلف: «لا معبودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ»، لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [الحجّ: 62]، وقولِه تعالى:﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وتفسيرُ السلف الصالح لها هو التفسيرُ الوحيد الذي لا يصحُّ تفسيرٌ غيرُه، وهو إخلاصُ العبادةِ لله وحدَهُ لا شريكَ له، ويدخل فيها تحكيم الشريعة، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5].
ولا يخفى أنَّ التوحيدَ رأسُ التشريع، وهو من أَوَّليَّات الدعوة إلى الله تعالى، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13]، وهو حكمٌ أَوَّلِيٌّ بما أنزلَ اللهُ، إذ أنَّ أَوَّلَ ما أوصى به الرسلَ والأنبياءَ في نزع عوالق الشرك من صدور المتشبِّثين به، وتطهير أرض الله ومساجده من أدران الأوثان والأضرحة، وإبعاد فتنة القبور والمشاهد عنها، فسبيلُ الدعوةِ إلى الله يبدأ من التوحيد أَوَّلاً وقبل كلِّ شيء: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اِتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، والمراد بالآية: الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له لا شريك له، وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لما بعثه لليمن: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَتَيْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افَتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ...» الحديث ( ٧ - متفق عليه: أخرجه البخاري: في «المغازي»، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع: (4347)، ومسلم: في «الإيمان»، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام: (121)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ) .
هذا؛ وينبني على جعل الحاكمية شرطًا في الإيمان تكفيرُ الداعي الحاكمَ الذي يخالف الحكمَ بما أنزل اللهُ مُطلقًا، وتكفير رعيَّته على حدٍّ سواء، ولو كانوا منكرين على الحاكم بقلوبهم، ولو بألسنتهم، وفساد هذا الاعتقاد ظاهر؛ لأنَّ تفسير كلمة التوحيد بالحاكمية قاصرٌ على جزءٍ من توحيد الربوبية، كما يلزم من اشتراط (الحاكمية) إخراج توحيد الإلهية وكثير من الأصول والأركان كالصلاة وغيرها من الحكم بما أنزل الله تعالى ومن عُرى الدِّين الذي شرع المولى عزَّ وجلَّ، فمثل هذا الاشتراط ناقص ومخالف لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ، تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ: الصَّلاَةُ» ( ٨ - أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (6601)، والحاكم في «المستدرك»: (7022)، وأحمد في «مسنده»: (21784)، والطبراني في «مسند الشاميين»: (1615)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في: «صحيح الجامع الصغير»: (5354) وفي «صحيح الترغيب»: (1/369)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (490) ) .
وباختصار، فإنَّ ترويج بضائع الشُّبهات والأوهام من أصاغر القوم، حدثاء الأسنان الذين همُّهم التزعُّم على الرعاع، والتصدُّر على الأتباع يؤدِّي بطريقٍ أو بآخر إلى مسالك التهلكة والرَّدَى، وطريقِ الغواية والهوى، وصَدَقَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم حيث قال: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُلْتَمَسَ العِلْمُ عِنْدَ الأَصَاغِرِ» ( ٩ - أخرجه الطبراني في «الكبير»: (22/361)، وفي «الأوسط»: (8/116)، من حديث أبي أمية الجمحي رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2207)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (695) ) ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أتاهم العلمُ مِنْ أصحابِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومِن أكابرهم، فإذا أتاهم العلمُ من قبل أصاغرهم، وتفرَّقت أهواؤهم، هلكوا» ( ١٠ - أخرجه عبد الرزاق في «المصنف»: (21508)، والطبراني في «الكبير»: (19/114)، وفي «الأوسط»: (7/311)، وابن المبارك في «الزهد»: (1/281)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/349): «رجاله موثوقون»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/310) ) .
فبمقدار ما يكون عليه الداعيةُ إلى الله -في أداء رسالته وقيامه بواجبه- قريبًا من منهج الأنبياء في دعوتهم وإصلاحهم بمقدار ما تؤتي دعوته أكلها بإذن ربها، وتنتهج التربية الوجهة الصحيحة، ويتجسَّدُ في أرض الواقع نورُ الإسلام المصفَّى، وبمقدار ما يبتعد عن مشكاة النُّبُوَّة يَحُلُّ الظلامُ، وتنتشرُ البدعةُ، ويكثرُ رُوَّادُ الضلالة.
ولله دَرُّ مَنْ قال: «إنها ستكون أمورٌ مُشْتبِهَاتٌ، فعليكم بالتُّؤَدة، فإنَّ الرجلَ يكون تابعًا في الخير خيرٌ من أن يكون رأسًا في الضلالة» ( ١١ - أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان»: (7/297)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ) .
واللهَ تعالى نسألُ أن يَعْصِمَنَا من الزَّلَلِ والضلالةِ، وأن يوفِّقَ الأُمَّةَ -حاكمًا ومحكومًا- لاتباع الحقِّ ونصرته وموالاة أهله، ويهدي المخاصمين للحقِّ المعاندين لأهله إلى صراط الله المستقيم:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 135].
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
١- أخرجه البخاري في «المناقب»، باب علامات النبوة في الإسلام: (3415)، ومسلم في «الزكاة»، باب التحريض على قتل الخوارج: (2462)، وأبو داود في «السنة»، باب في قتال الخوارج: (4767)، والنسائي في «تحريم الدم»، باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس: (4102)، وأحمد في «مسنده»: (914)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في «الفتن»، باب في صفة المارقة: (2188)، وابن ماجه في «سننه»، باب ذكر الخوارج: (168)، وأحمد في «مسنده»: (3821)، وأبو يعلى في «مسنده»: (5402)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (393)، من حديث أنس رضي الله عنه.
٣- أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (391)، والبيهقي «السنن الكبرى»: (2239)، من حديث أنس رضي الله عنه، وقد رواه بمعناه النسائي في «الإيمان وشرائعه»، باب صفة المسلم: (5012).
٤- انظر «فتح الباري» لابن حجر: (1/496). «مرقاة المفاتيح» للقاري: (1/159).
٥- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (12/501).
٦- أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه: (392)، وأبو داود في «الجهاد»، باب على ما يقاتَل المشركون: (2641)، والترمذي في «الإيمان»، باب ما جاء في قول النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أُمِرْتُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ»: (2608)، والنسائي: في «تحريم الدم»، (3966)، وأحمد في «مسنده»: (12643)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
٧- متفق عليه: أخرجه البخاري: في «المغازي»، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع: (4347)، ومسلم: في «الإيمان»، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام: (121)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
٨- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (6601)، والحاكم في «المستدرك»: (7022)، وأحمد في «مسنده»: (21784)، والطبراني في «مسند الشاميين»: (1615)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في: «صحيح الجامع الصغير»: (5354) وفي «صحيح الترغيب»: (1/369)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: ( 490 ).
٩- أخرجه الطبراني في «الكبير»: (22/361)، وفي «الأوسط»: (8/116)، من حديث أبي أمية الجمحي رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2207)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (695).
١٠- أخرجه عبد الرزاق في «المصنف»: (21508)، والطبراني في «الكبير»: (19/114)، وفي «الأوسط»: (7/311)، وابن المبارك في «الزهد»: (1/281)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/349): «رجاله موثوقون»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/310).
١١- أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان»: (7/297)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
شيخنا حفظه الله محمد فركوس
| |
|